الخسائر
تنعكس الأوضاع الاقتصاديّة على الطلّاب ومسارهم الدراسي. في التعليم الحضوري سوف يكون من الصعب تحمّل كلفة التنقّل بين المنزل والجامعة، وفي التعليم عن بُعد سوف يكون من الصعب المتابعة عبر الإنترنت. ثمّ أن الأوضاع الاجتماعيّة المتدنية تعسّر دفع الأقساط الجامعيّة. وقد لوحظت نزعة نزوح طلابي من الجامعات الأغلى نحو الجامعات الأرخص. ما أحدث نقصًا في معدّلات التسجيل في الجامعات الأغلى الأمر الذي اضطرها إلى تخفيض معدّلات القبول وتشجيع المرشحين من خلال حزم مساعدات إضافيّة. هذه الأوضاع تعود فترتد على الأداء الجامعي.
ومن نافل القول إن هناك تطابقًا نسبيًا بين نمط حوكمة الجامعة والوسط الاجتماعي للطلاب، وبالتالي فإن الفروق بين الجامعات تشمل الأمرين معًا، ولو تمكّنت بعض الجامعات وبعض فئات الطلبة في بعض الاختصاصات وبعض فئات الأساتذة من كسر التطابق الآلي بين الأمرين.
لكن مهما تفاوتت أثار الأزمة بين الجامعات تبقى الخسائر في الرأسمالَين الأكاديمي والاجتماعي مرتفعة لدى الأجيال التي هي اليوم على مقاعد الدراسة. وهذه الخسائر كبيرة جدًا من جهة وعصيّة على التقدير الدقيق في حجمها من جهة ثانية. وسوف تزيد مع استمرار الأزمة. وإذا كانت ميزة لبنان التفاضليّة في المنطقة العربيّة هي هذا الرأسمال الإنساني الذي يتكون فيه من خلال التعليم، فإن هذه الميزة بدأت بالزوال، في نوع من الانهيار التربوي المصاحب للانهيار الاقتصادي. ومثل هذا التوقّع مرجّح مع ارتسام ملامح جديدة للنظام اللبناني في المستقبل القريب حيث تغلب على السلطة أحزاب ذات قِيم ونزعات تراهن على رأسمال سياسي يقوم على الانخراط المُبكر للشباب في الأعمال السياسيّة والعسكريّة والدينيّة، وعلى تفريغ لبنان من الشباب المتعلّم، خاصّةً أن هؤلاء عبّروا عن مقتهم للطبقة السياسيّة في انتفاضة ١٧ تشرين.
وهذا هو سياق هجرة الشباب والطلّاب والخرّيجين. تتركّز الهجرة من لبنان اليوم على خرّيجي الجامعات، نحو الولايات المتحدة الأميركيّة وكندا وأوروبا ودول الخليج العربي. تشهد على ذلك طوابيرهم على أبواب الأمن العام للحصول على جوازات سفر وعلى أبواب السفارات للحصول على فيزا. وقد صرّح رئيس إحدى الجامعات الخاصّة أنّ ٧٠٠ طالب هاجروا السنة الماضية من كافّة السنوات الدراسيّة لمتابعة الدراسة في الخارج.
ما أقوله عن خسائر التعليم العالي ينطبق على التعليم العامّ، إنّ بالنسبة للأضرار التي لحقت بالمعلمين الذي قالوا في يوم الغضب (٨/٩/٢٠٢١) "لن نلتحق بالتدريس لأنّنا والأهل والتلامذة نعجز عن فتح المدارس" (الصحف)، أو بالنسبة لحوكمة المدارس والفرق فيها بين أنواع المدارس (خاص-خاص ورسمي-خاص) أو بالنسبة للأوساط الاجتماعيّة التي ينتمي إليها الطلاب، ومفاعيل هذا الانتماء على دفع الأقساط، واستخدام الإنترنت توفير الإنترنت وكلفة الأقساط والكتاب المدرسي والقرطاسية والتنفل.
وفي الحالتين، التعليم العام والتعليم العالي، كانت الحوكمة الحكومية (وزارة التربية والتعليم العالي) شديدة الارتباك، عالقة بين عوامل خارجة عن نطاقها (الموارد الماليّة والصحّة والإنترنت) وبين الخضوع أولًا للمتطلّبات السياسيّة الآنية للأحزاب الحاكمة. بحيث بدت شبكة المصالح أقوى بكثير من الالتفات إلى الشأن العام.